إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
الرد على ابن حزم
6680 مشاهدة
هل إبليس من الجن أم الملائكة

واعلم أن العلماء رضي الله عنهم اختلفوا فيه، هل هو من الملائكة، أو أصله ليس من الملائكة؟ فذهبت جماعة كبيرة من السلف إلى أن أصله كان من الملائكة، وأن الله نسخه من ديوان الملائكة فصيره شيطانا.
قالوا: ويدل على هذا استثناؤه من الملائكة في جميع السور التي فيها قصة إبليس، وآدم .
والأصل في الاستثناء الاتصال، ولا يجوز أن يحمل على الانفصال إلا بدليل يدل عليه. وقال بعض العلم: أصل إبليس لم يكن من الملائكة، ولكنه جني خلقـه الله من مارج من نار، كان يتعبد مع الملائكة، ويعمل بأعمالهم فنسب إليهم كالرجل الحديدي في القبيلة الذي ليس منها ينسب إليها، وهو ليس في الحقيقة منها.
ورجحوا هذا القول بمرجحين: أحدهما: شهادة الله للملائكة بالعصمة حيث قال: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وإبليس اللعين عصى الله ما أمره، فدل على أنه ليس من العباد المكرمين الذين هم الملائكة. وقال: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ وهذا اللعين لم يعمل بِأَمْرِهِ فدل على أنه ليس من الملائكة.
الدليل الثاني- أن الله صرح بأنه من الجن في سورة الكهف حيث قال: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فصرح أنه كان من الجن. وكونه من الجن هو السبب الذي جعله لم يفعل كما فعل الملائكة إذ لو كان من عنصر الملائكة وجنس الملائكة لفعل كما فعل الملائكة. فلما بين أنه أبى، وعصى، وتمرد، وبين قوله إنه: كَانَ مِنَ الْجِنِّ تبين أنه من غير الملائكة.
ولم يأت في الوحي دليل أظهر في محل النزاع من آية الكهف هذه حيث صرحت بأن إبليس من الجن، ونفته من الملائكة، لأنه ليس .. من الملائكة لفعل كما فعل الملائكة.
والذين قالوا: إن جمهور العلماء على أن أصله كان ملكا، وأنه كان يسمى عزازيل، وأنه كان قائما بين السماء الدنيا يقولون: إن الجن قبيلة من الملائكة خلقوا من النار من بين سائر الملائكة، وهذا خلاف ظاهر القرآن، وإن كانت العرب تسمي الملائكة جنا فتسمية الملائكة جنا معروف في كلام العرب.
ومنه قول الأعشى يمدح سليمان
وسـخر من جـن المـلائك تسعـة
يعمـل لديـه يعملـون بـلا أجـر
فقال: من جن الملائكة.
وقال بعض المفسرين: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا .
قالوا: يعني بالجنة الملائكة، لأنهم يجننون عن العيون فلا تراهم، كما لا ترى الجن، وزعموا أن معنى وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا هو قولهم: الملائكة بنات الله، هكذا قاله بعض العلماء، وهذا خلاف مشهور.
وأظهر شيء في محل النزاع آية الكهف هذه التي قالت: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ .
ثم رتب على قوله: مِنَ الْجِنِّ بالفاء فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ فدل ... أن علة فسقه عن ربه كونه من أصل الجن، لا من أصل الملائكة. هذا أظهر شيء في محل النزاع.